للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الحياء (١)

هذا الخلق إذا غُرز في النَّفس ونمت عروقه فيها ازداد رونقها صفاء، ونفض على ظاهر صاحبها مآثر خيرات حسان، يعبِّر عنها عشَّاق الفضائل بصبغة الإنسانية، وإذا انتزع من شخص فقد المروءة، وثَكِل الدَّيانة التي هي الجناح المبلِّغ لكل كمال، والدليل على ما نقوله، أن الحياء عبارة عن انقباض النَّفس عما تذم عليه، وثمرته ارتداعها عمّا تنزع إليه الشهوة من القبائح، فإذا تمزق ستر هذه الفضيلة بغلبة الشهوة على النَّفس، اختلت هيئة الإنسانية بالضرورة، وبقي صاحبها سائماً في مراتع البغي والفسوق؛ وبئس الاسم الفسوق بعد الإيمان.

ويرشدنا إلى هذا قوله عليه الصلاة والسلام "لكل دين خلق، وخلق الإِسلام الحياء" رواه "مالك في الموطَّأ"، وفي الصحيح أيضاً أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرَّ على رجل وهو يعض أخاه في الحياء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دعه فإنَّ الحياء من الإيمان". قال العلماء: "وإنَّما صار الحياء من الإيمان المكتسب وهو جِبلَّة لما يفيد من الكف عما لا يحسن فعبَّر عنه بفائدته".

وأعجب ما عثرنا عليه في كتب الأخلاق، أنَّ الحياء مركَّب من جبن


(١) العدد الرابع - المصادر في ١٦ صفر ١٣٢٢.