قص الله تعالى علينا أن قوماً من كفار العرب يقولون:{مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}[الجاثية: ٢٤]، وهذه الآية تدل على أن هؤلاء القوم ينكرون البعث، ويسندون الإهلاك - أي: الإماتة - إلى الدهر.
واختلف الكاتبون في التفسير والتاريخ في أن هؤلاء القوم يقرون بالخالق، أو يجحدون به، فقال بعضهم: إن هؤلاء القوم يعترفون بوجود الله تعالى، فهم غير الدهرية الذين يسندون الحوادث إلى الدهر، ولا يقولون بوجوده تعالى، وجرى على هذا المسعودي في "مروج الذهب"، فقال: ومن العرب من أقر بالخالق، وكذب بالرسل والبعث، ومال إلى قول أهل الدهر، وهؤلاء الذين حكى الله تعالى إلحادهم، وأخبر عن كفرهم بقوله تعالى:{وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}[الجاثية: ٢٤].
ومن المفسرين من حمل هذه الآية على قوم ينكرون وجود الخالق، وهذا ما سلكه القرطبي في "تفسيره"؛ إذ قال في تفسير هذه الآية: وكان المشركون أصنافاً، منهم هؤلاء، ومنهم من كان يثبت الصانع، وينكر البعث، وجرى على هذا أبو البقاء في "كلياته"، فقال: والدهري - بالفتح - هو: الذي يقول: العالم موجود أزلاً وأبداً، لا صانع له، {مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}[الجاثية: ٢٤].
ومن المفسرين من جعل الآية محتملة لأن تكون في قوم لا يعرفون الله، ولا يقرون به، وهم الدهرية، وأن تكون في قوم يقرون بالخالق، وينكرون البعث، وينسبون الآفات إلى الدهر؛ لجهلهم أنها مقدَّرة من الله. وجرى على