للدعوة الأثر الكبير في فلاح الأمم، وتسابقها في مضمار الحياة الزاهرة، وهذا ما يجعلها بالمكانة السامية في نظر الشارع الحكيم، وقد ألقى عليها الإسلام عناية شديدة، فعهد إلى الأمة بأن تقوم طائفة منها على الدعاء إلى الخير، وإسداء النصيحة للأفراد والجماعات. قال تعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[آل عمران: ١٠٤].
فالآية ناطقة بأن الدعاء إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فريضة ملقاة على رقاب الأمة، لا تخلص من عهدتها حتى تؤديها طائفة على النحو الذي هو أبلغ أثراً في استجابة الدعوة وامتثال الأوامر، واجتناب النواهي. والدعوة إلى الخير- كسائر فروض الكفاية- يوجه خطابها إلى الأمة بقصد إفهامهم وإعلامهم. ومناط التكليف والإلزام إنما هو طائفة يتفق أهل الحل والعقد على تعيينها، أو تتقدم إليه من تلقاء نفسها.
وإذا قلنا: إن الخطاب بفرض الكفاية، والإعلام به يتوجهان إلى الأمة، فإنما نريد من الأمة: القادرين على القيام به خاصة، وهؤلاء هم الذين تحقُّ عليهم كلمة العذاب حيث لا تنهض به طائفة منهم، فلا جُناح على من لا يستطيع الدعاء إلى خير، أو الدفاع عن حق إذا سكت المستطيعون إليه سبيلاً. ولو ضل قوم عن سبيل الخير، أو جهلوا معروفاً، أو ركبوا منكراً، وقامت طائفة تدعوهم،