للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذلك الشأن في سائر الصناعات؛ فإنها تُعِدّ النفس لعمل خاص. ثم إن الناس يكونون فيها على درجات متفاوتة متفاضلة.

وإنما قال: "في كل واحد من الأشياء المفردة"؛ لأن الخطابة تتناول كل العلوم والفنون، ويسوغ لها أن تدخل في كل شيء، صغيرًا كان أو كبيراً، معقولاً كان أو محسوساً. ومن هنا قال الباحثون في شؤونها: يلزم الخطيب أن يكون ملمًّا بالعلوم والفنون ما استطاع، وأن يسعى دائبًا إلى أن يزداد في كل يوم علماً.

أما الخطابة في لسان الأدباءِ والبلغاء، فهي إلقاء الكلام المنثور, سجعاً أو مرسلاً؛ لاستمالة السامعين إلى رأي، أو ترغيبهم في عمل، وهذا ما يريدونه عندما يذكرون الخطابة، ويقولون: فلان يقوم على الخطابة أكثر مما يقوم على الكتابة.

والخطابة عند هؤلاء - وإن كانت تعتمد على الأقوال المظنونة أو المقبولة - قد يدخل فيها ما يسمى عند المناطقة: برهانًا، قال صاحب "المناهج الأدبية": والأقوال الصادقة يقينًا لا تقع في الخطابة من حيث إنها خطابة، فإن ألمَّ بها الخطيب، فقد عدل بالخطابة عن أصلها. وربما أتى الخطيب على أقوال مموهة؛ أي: ذات جمل تشبه ما يكون صادقاً، وليست في نفسها صادقة، أو ذات هيئة تشبه ما يكون صحيحاً، وليست في نفسها بصحيحة، قال مالك ابن دينار: رأيت الحجّاج يتكلم على منبره، ويذكر حسن صنيعه لأهل العراق، وسوء صنيعهم له، حتى إنه صادق مظلوم.

* شرف الخطابة:

تشرف العلوم والصنائع بمقدار ما تشرف غاياتها. وللخطابة غاية ذات