كان العالم يتخبظ في ظلمات بعضها فوق بعض: ظلمة من الجهل، ظلمة من دناسة الأخلاق، ظلمة من منكر الأعمال، فبعث الله المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ليخرج الناس من هذه الظلمات إلى نور يسعى بين أيديهم في الحياة الأولى، ويهديهم السبيل إلى السعادة في الحياة الأخرى.
طلع محمد - صلوات الله عليه - بكلتاب ممتع بالحكمة، مقوم للأخلاق، مصلح للأعمال، منظم لشؤون الحياة، تدبرته فئة قليلة، واتخذته قائدها المطاع، فكانت خير أمة جاهدت في الله فانتصرت، وغَلبت فرحمت، وحكمت فعدلت، وساست فأطلقت الحرية من عقالها، وفجرت المعارف ينابيع بعد نضوبها، واسألوا التاريخ؛ فإنها قد استودعته من مآثرها الغر ما بصر بضوئه الأعمى، وازدهر في الأرض ازدهار الكواكب في كبد السماء.
هذه حقائق لم أنحُ فيها نحو المبالغة، فإن المصطفى- صلوات الله عليه - قد قضى على عبادة الأوثان، والغلو في الخضوع لغير الواحد القهار، وقضى على الإلحاد وإنكار الإله، فأصبح المؤمنون أمما بعد أن كانوا أفراداً،
(١) مجلة "الهداية الإسلامية" - الجزء الحادي عشر من المجلد الرابع الصادر في ربيع الثاني ١٣٥١ هـ. كلمة الأمام في احتفال جمعية الهداية الأسلامية بذكرى مولد المصطفى - صلى الله عليه وسلم - مساء يوم السبت ١٢ ربيع الأول ١٣٥١.