وأنتم تعلمون أن الغلو في تعظيم غير الله رجس من عمل الشيطان، وأن الإلحاد داعية الفسوق والطغيان، فلدعوة محمد - صلى الله عليه وسلم - الفضل الأكبر في رفع النفوس من حضيض الشرك إلى سماء التوحيد الخالص، ولها الفضل في تطهير النفوس من خبث الإلحاد الذي يشوه فطرتها، ويوفر أسباب شقوتها.
جاهد المصطفى - صلى الله عليه وسلم - الجهل، وشرّ الجهل عدمُ معرفة مبدع الكائنات بحق، وجاهد الأخلاق الرذيلة، فكرَّه للنفوس الجزع، والجبن، والبخل، والصَّغار، والكِبر، والقسوة، والأثرة. وعلمها الصبر، والشجا عة، والكرم والعزَّة، والتواضع، والرحمة، والإيثار.
علّمها الصبر، فهان عليها كل عسير، وعلمها الشجاعة، فحقر أمامها كل خطير، وعلمها الكرم، فجادت في سبيل الخير بكل نفيس، وعلمها العزة، فسمت إلى كل مقام مجيد، وعلمها التواضع، فتألفت كل قلب سليم، وعلمها الرحمة، والرحمةُ رباط التآزر والتعاون على تكاليف الحياة، وعلمها الإيثار، والإيثارُ أقصى ما يبلغه الإنسان من مراتب الكمال.
رفع المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أعلام العلم، وهدى إلى مكارم الأخلاق، ثم علَّم الإنسان كيف يعمل صالحاً، ويعيش آمناً، وهو الذي أوحي إليه بأصول تجعل المدنية محكمة البناء، وآدابٍ تكسوها رونقاً وبهاء.
فإذا احتفلنا بذكرى مولد الرسول الأكرم، فإنما نحتفل بذكرى منقذ العالم من ظلماته الثلاث، وستسمعون من حضرات الخطباء والشعراء شيئاً من تفاصيل هذا الذي لوَّحت إليه بكلمتي الموجزة، والسلام عليكم ورحمة الله.