هذا: أنهم ينقدون ما يقع إليهم من الأشعار، ويتساءلون عن طريق روايتها، فلا يصح في أي أدب أو منطق أن يُعدّ قبولهم لكثير من هذا الشعر عدم توفق إلى الحق، أو أنه ناشئ عن عدم إلمامهم بتاريخ هذه الأمم القديمة إلماماً كافياً.
* مقارنة بين الأمم الثلاث: العربية، واليونانية، والرومانية:
ثم أخذ المؤلف يذكر الأمة اليونانية، والأمة الرومانية، ويعقد بينهما وبين الأمة العربية ما يشبه المقارنة، وهو أن كلاً من هذه الأمم تحضّر بعد بداوة، وخضع في حياته الداخلية لصروف سياسية مختلفة، وانتهى إلى نوع من التكوين السياسي دفعه إلى تجاوز حدوده الطبيعية، وبسطِ سلطانه على الأرض.
ثم قال في (ص ٤٤): "وفي الحق أن التفكير الهادئ في حياة هذه الأمم الثلاث ينتهي بنا إلى نتائج متشابهة، إن لم نقل متحدة. ولم لا؟ أليست هذه الإشارة التي قدمناها إلى ما بين هذه الأمم الثلاث من شبه تكفي لتحملك على أن تفكر في أن مؤثرات واحدة أو متقاربة قد أثرت في حياة هذه الأمم، فانتهت إلى نتائج واحدة أو متقاربة؟ ".
في استطاعتنا أن نناقش هذه الجمل كما جاءت في غير صراحة، ولكن القلم لا يرغب حين يخوض بحثاً علمياً أن يمتطي المواربة، أو يكلم الناس رمزاً، فلنطو الستار الذي سدله المؤلف، وجلس يتحدث من ورائه، فقد ينزع محارب الحقيقة إلى الكنايات البعيدة، والإيماء الخفي، حتى يحوك مقالُه في بعض النفوس دون أن يجد في طريقه زاجراً، ولا يرضى الذائد عن سبيلها إلا أن يضع الغرض على ظاهر يدك، ويريك المعنى في مرآة نقية،