والقول الفاصل في هذا: أن صديق المنفعة متى عرف الإنسان وجه صداقته، كان له أن يحترس منه، ويكون هذا موضع الأشعار التي تنصح بالاحتراس من الأصدقاء، أما من انعقدت بينك وبينه صداقة الفضيلة، وكنت على يقين من أن هذا وجه صداقتكما، فلا موضع للاحتراس منه.
فإن اجتهدت أيها الألمعي رأيك في صداقة شخص، وبدا لك أنها صداقةُ فضيلة، ثم رأيت منه ما لم تكن تحتسب، فلا يحملك هذا الخطأ في الاجتهاد على الاحتراس من كل صداقة، فإن ما وقع إنما هو أمر نادر، والأمور النادرة لا تتخذ مقياساً في معاملة الأصدقاء، ولا تستدعي أكثر من أن تستعيذ بالله من شرها، ثم تمضي مع أصدقائك الفضلاء في وداعة خلق، وسماحة نفس.
* هل الصداقة اختيارية؟
إذا كانت الصداقة الشريفة ترجع إلى محبة الشخص لفضيلته، كانت غير اختيارية؛ لأنها ترتبط بسبب هو الفضيلة. وقد أشار بعض الأدباء إلى أنه لا منّة له في الصداقة حتى يستحق عليها الحمد، فكتب إلى صديق له:"إني صادفت منك جوهر نفسي، فأنا غير محمود على الانقياد إليك بغير زمام؛ لأن النفس يتبع بعضها بعضاً".
والواقع أن الاختيار يرجع إلى فتح الصدر لها، وربط القلب عليها، والسير في الأقوال والأفعال على مقتضى عاطفتها، فإذا حمدت الرجل على صداقته، فإنما تحمده على أن أقرَّها في صدره مغتبطاً بها، ثم جرى على ما تستدعيه من نحو المواصلة والمؤانسة.
* دعوى أن الصداقة الخالصة مفقودة:
يزعم بعض الأدباء أن الصداقة الخالصة من كل شائبة مفقودة، ومن