ولم يقلبوا وجوههم في سيرته، فليس من شأنهم الاكتفاء بخبر القرآن، ولا أن يدلهم ورود اسم شخص فيه على وجوده التاريخي، فلم يكن لهذه الكلمة المستعارة من "ذيل مقالة في الإسلام" وجه يشفع لورودها في هذا النسق، فإن المسلمين حقاً يزدرونها، وغير المسلمين لا ينتفعون بها، ولا نرى لها من شأن غير إغواء النفوس التي لم تبلغ في إدراك الحقائق أشدها.
قصة إسماعيل وإبراهيم كانت تدور بين العرب أيام جاهليتهم، ثم ساقها القرآن على وجه محكم، وبيان ساطع، ومن حاول الجهر بإنكار ما تتداول نقله أمة، ويقرره كتاب تدين بصدقه أمم، كان حقاً عليه أن يسلك مسلك ناقدي التاريخ، فيبين للناس كيف كان نبأ الواقعة مخالفاً للمعقول أو المحسوس، أو التاريخ الثابت الصحيح، ولكن المؤلف لم يسلك في إنكار هذه القصة طريقة نقد التاريخ، فيحدثنا لماذا لم يسعها عقله، أو كيف وقع حسه على ما يبطلها، أو من أين سمع أن مؤرخاً قبل صاحب "ذيل مقالة في الإسلام" قال ما يناقضها؟! إذن لم يكن مع المؤلف سوى عاطفة غير إسلامية تزوجت تقليداً لا يرى، فحملت بهذا البحث، وولدته على غير مثال.
* قصة إسماعيل - عليه السلام -:
قال المؤلف في (ص ٢٦): "ونحن مضطرون إلى أن نرى في هذه القصة نوعاً من الحيلة في إثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة، وبين الإسلام واليهودية والقرآن والتوراة من جهة أخرى، وأقدم عصر يمكن أن تكون قد نشأت فيه هذه الفكرة إنما هو هذا العصر الذي أخذ اليهود يستوطنون فيه شمال البلاد العربية، ويبثون فيه المستعمرات".