وضعه- لم يكن له أثر في الدلالة على أن الشعر الجاهلي مزوّر مصنوع.
* شواهد ابن عباس - رضي الله عنه -:
خرج المؤلف بعد هذا إلى الحديث عن ابن عباس - رضي الله عنه -، وأتى على قصة نافع بن الأزرق، ووسمها بميسم الوضع، ولم يستند في هذا الحكم إلا إلى أن تصديقها من السذاجة، وأن أهل الفقه لا يشكون في وضعها. ومرمى كلامه إلى إنكار أن يبلغ ابن عباس في حفظ الشعر منزلة تخوّله أن يجيب عن نحو مئتي مسألة في التفسير، ويسوق على كل مسألة بيتاً من الشعر، ثم ردد الغرض الداعي إلى وضعها على وجوه، وهي: إثبات أن ألفاظ القرآن كلها مطابقة للفصيح من لغة العرب، أو إثبات أن عبد الله بن عباس كان من أقدر الناس على تأويل القرآن، ومن أحفظهم لكلام العرب الجاهليين، أو إفادة معاني طائفة من ألفاظ القرآن في صورة قصة.
ثم خفف من غلوائه شيئاً، وقال في (ص ٤٠): "ولعل لهذه القصة أصلاً يسيراً جداً، لعل نافعاً سأل ابن عباس عن مسائل قليلة، فزاد فيها هذا العالم، ومدّها حتى أصبحت رسالة مستقلة يتداولها الناس".
ليس بالبعيد عن ابن عباس أو غيره ممن يصرف ذهنه إلى رواية الشعر، أن يحفظ منه ما يحتوي نحو مئتي بيت تصلح للاستشهاد على تفسير طائفة من ألفاظ القرآن، وليس بالغريب أن يكون ابن عباس، أو ذو ألمعية كابن عباس، قد بلغ في سرعة الخاطر، وجودة الذاكرة أن يحضره البيت الصالح للاستشهاد عندما تطرح إليه المسألة، فقد رأينا من بعض أساتيذنا ما يجعل هذه القصة حادثاً غير خارق لسنّة الله في الخليقة، كنا نرى أستاذنا أبا حاجب يحفظ من الشعر الفصيح ما يجعله قادراً على أن يضرب منه المثل للمعاني