اتفق لنا السمر ليلة بمنزل الأمير علي باشا، ولاقينا من ابنه الأمير عبد القادر تجلَّة فائقة، ولم يقنع بجلوسنا في المنزل الذي يتلقى فيه عامة الضيوف، حتى تجاوز بنا إلى دار بعده، وأطلعنا على آثار للأمير جده -رحمه الله-، ولما نهضنا للرواح، وسايرنا مودعاً، اعترضنا أحد القرّاء وارداً منزل الأمير ليتلو لهم كعادتهم ما تيسر من القرآن، فرغب منا هذا الأمير الرجوع لسماع تلاوته، فرتل ذلك الحافظ نصيباً من الآيات بلهجة مؤثرة جداً.
* من دلائل النبوة:
زرنا يوم العيد الأمير عبد الله بن الأمير عبد القادر، واحتفل المجلس بطائفة من أهل العلم، فجرت محادثات علمية دينية يأخذ أطرافها نظر ذلك الأمير الفاضل، وقرر الشيخ السعيد الزواوي في هذا المجلس: أن فيما يظهر له من دلائل النبوة: قوله - عليه الصلاة والسلام -: "لا نبي بعدي"، وذلك لأنه ثبت أنه - عليه السلام - في أنهى درجة من الحكمة، وهذا يعترف به كل من ألقى نظره في أقواله وسيرته، ولو لم يعتقد برسالته، والرجل الحكيم يتحاشى أن يقضي على المستقبل بعبارة قاطعة؛ إذ لا يدري ما تلده الأيام، وتبرزه للناس من تصرفات الأقدار التي تنكث أقواله، وتحل عقد ما تنظمه من الشيعة والأتباع. فإقدامه - عليه الصلاة والسلام - على هذه العبارة الفاضلة، مع ما مر من تلك القرون المتطاولة، ولم يظهر في الوجود ما ينقضها، بحيث لم يدّع أحد منصب النبوة وله شبهة في ادعائه، دليل على أنه إنما ينطق عن وحي سماوي ينزل به الروح الأمين على قلبه المنير.
فقلت له: وأنا أيضاً مما أعضد به إيماني ما جاء في القرآن من التشابه؛ فإني كثيراً ما أقول في نفسي: لو كان هذا القرآن من بشر يزعم الرسالة، لتحرى فيه العبارات الصريحة في العقائد التي يدعو إليها، واحتفظ غاية جهده أن يسوق