حيث تقيم بعض القبائل الأخرى؛ كقيس، أو تميم. ولكن المفسرين بحثوا في طريق الرواية، فعرفوا أن رحلتهم الشتائية كانت إلى اليمن، ورحلتهم الصيفية كانت إلى الشام. إذاً لم يفهم المؤلف من القرآن أن لقريش اتصالًا اقتصاديًا بالروم والحبشة أو الفرس، وإنما تلقنه من المفسرين أو المؤرخين.
ثم إن الآية وردت على قدر الحكمة التي استدعت ورودها، ودارسو الشعر الجاهلي يعرفون ما دلت عليه الآية بتفصيل، إذ يجدون في هذا الشعر وما يتصل به من الأخبار أن هاشمًا وعبد شمس والمطلب ونوفلاً كانوا يسمون: المتجرين، فهاشم كان يؤالف ملك الشام، فأمن به في تجارته إلى الشام، وعبد شمس كان يؤالف إلى الحبشة، والمطلب كان يرحل إلى اليمن، ونوفل كان يرحل إلى فارس، وفي هؤلاء الإخوة يقول شاعرهم:
يا أيها الرجل المحوّل رحله ... هلّا نزلت بآل عبد منافِ
الآخذون العهد من آفاقها ... والراحلون لرحلة الإيلاف
فإن عاد المؤلف وقال: إني لا أثق بهذا الشعر، ولا بما يتصل به من خبر، قلنا له: لا تخلط قولاً بآخر، فإنك تقول عليهم في هذا الموضع: إنهم يتصورون العرب في عزلة وانقطاع؛ لأن الشعر الجاهلي يمثلهم كذلك، فأريناك أن ما بين أيديهم من الشعر يضع في نفوسهم الصورة التي ترميهم بجهلها، أما كون الطريق الذي جاءت هذه الصورة من ناحيته صحيحاً أو خرباً، فذلك ما لم يخطر له ذكر في هذا المقام.
* عجز المؤلف:
قال المؤلف في (ص ٢٢): "وسيرة النبي تحدثنا أن العرب تجاوزوا بوغاز باب المندب إلى بلاد الحبشة، ألم يهاجر المهاجرون الأولون إلى هذه