أسرفن في هجري وفي تعذيبي ... وأطلن موقف عَبرتي ونحيبي
وأبينَ يوم البين وقفة ساعة .... لوداع مشغول الفؤاد كئيب
وما برح أهل العلم يشهدون هذا الصنيع باستحسان، وينظرون إليه بعين راضية؛ إذ لا يزيد على إسماع الحاضرين كلماً طيباً من سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتذكيرهم بشيء من دلائل نبوته الساطعة.
فإذا احتفلنا في هذه الليلة بذكرى المولد النبوي، فإنما نأتي إلى سيرة الرسول الأكرم، ونقدم منها إلى هذه الحفلة مُثلاً عالية.
السيرة النبوية بعيدة ما بين البداية والنهاية، فلا نحيط بآثارها ذكراً، ولا نستطيع لمواقع العبرة منها جمعاً، وإنما أقتبس منها كلمة أدلُّ بها على ما كان للمصطفى - صلوات الله عليه - من الرفق بالمستضعفين من الرجال والنساء، وكلمة أخرى أدل بها على ما كان له من الحكمة البالغة في السياسة.
* رفقه بمن يسيئون إليه على جهالة:
العربي في جاهليته سريع الغضب، حريص على الانتقام ممن يمسه بأذى، وهذه إحدى الخصال التي جعلت العرب قبل أن يستضيئوا بحكمة الإسلام في معزل عن السياسة- كما يقول ابن خلدون-، أما رسول الله، فقد نشا مطبوعاً على فضيلة الحلم والإغضاء، إلا أن تنتهك حرمات الله. نقرأ في الصحيح: أنه لما قفل - عليه الصلاة والسلام - راجعاً من غزوة حنين، جاءه الأعراب يسألونه حتى اضطروه إلى شجرة، فخطفت رداءه، فوقف فقال: "أعطوني ردائي، فلو كان عدد هذه العضاه (١) نعماً، لقسمته
(١) العضاه: جمع العضاهة، وهي أعظم الشجر، أو كل ذات شوك."القاموس".