من يدرس أصول الإِسلام بجِدّ، ويذهب في تعرف روح تشريعه مذاهب بعيدة المدى، يدرك دون أن يأخذه ريب: أنه دين نزل من السماء؛ ليضرب بهدايته في أرجاء المعمورة، ويعلّم الأمم أرقى نظُم الاجتماع، وقد ارتفعت في الشرق والغرب رايته، يوم تولى أمره زعماء لبسوا من آدابه برودًا سنيَّة، وتحروا في الدعوة إليه سبلاً سويَّة، ولا أستطيع أن أُلمّ في هذا المقال بما احتوته شريعته من النظم المدنية، والقواعد التي تشهد بأنه تشريع لم يكن للعواطف البشرية والعادات القومية عليه سلطان، فأكتفي بأن أصف لك ناحية يتمثل فيها عدل قضائه، ورفق سياسته، وسمو آدابه، تلك الناحية هي: أصوله الخاصة في معاملة غير المسلمين.
المخالفون في نظر الإِسلام: محاربون، أو معاهدون، أو أهل ذمة، والمراد: ذمة الله؛ أي: عهده، فهذا الاسم يشعر بأن من مسهم بأذى، فقد خان عهد الله، وعهد دينه الحنيف.
أما المحاربون، فهم الذين يهاجمون أمة إسلامية، أو يتحفزون للهجوم عليها، أو يمدون أيديهم إلى حق من حقوقها، وحكم الإِسلام في هؤلاء: أن
(١) مجلة "نور الإِسلام" -العدد العاشر من المجلد الثاني، الصادر في شهر شوال ١٣٥٠ هـ - القاهرة.