ألم يأن للذين آمنوا أن تكون لهم آذان صاغية وقلوب واعية، فيستجيبوا لله وللرسول إذا دعاهم لما يحييهم! يحييهم كتاب الله إذا تشبعت عقولهم بأنوار مواعظه الحسنة، وإرشاداته الصحيحة، وارتبطوا بالعمل به ارتباطاً يهن كيد المردة عن نقض عراه، حتى إذا رسخ في أذواقهم طعم شجرته المباركة، استقذروا ما ترميه أفواه الذين اتبعوا أهل المدنية الحديثة المصفدين بأغلال التقليد لهم في كل مثال جديد.
ذلك التقليد الأعمى، علته سوء التربية الأولى، وعدم ارتواء النفس من أول النشأة بمحاسن الشريعة الغراء، ومن ثم كان الغالب على من شبّوا في كفالة المقدِّرين لها حق قدرها علماً وعملاً، شرف الوجدان وسلامة القصد، والاستماتة في مدافعة الشُّبه التي تحركها استحسانات النفوس الكدرة، ولعلك تتلو قوله تعالى:{يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا}[مريم: ٢٨] فتجد المنكرين عليها فيما اتهموها به، أرادوا بنفي البغي والسوء عن أبويها المبالغة في توبيخها عما يراها الله منه تنبيهاً على أن من كان أبواه صالحين ليس من شأنه التجرد عن طورهما والتردي بغير ردائهما، وما كان ينبغي له إلا أن يسلك سنن أعمالهما الصالحة شبراً بشبرٍ وذراعاً