يتفاضل الناس بحسب جودة أفكارهم، وصفاء بصائرهم، وسعة معارفهم، وسماحة أخلاقهم، وسمو هممهم، وصحة عزائمهم، وصلاح أعمالهم، وبلاغة أقوالهم، درجات، وقد تجري المعاملات بينهم على حسب تفاضلهم في هذه الخصال والشؤون، وليس على الناس من حرج من رعاية هذه المزايا، وربط صداقاتهم ومعاملتهم الخاصة بها.
أما المساواة بينهم التي يلهج بها أنصار الحرية، ويتوقف عليها انتظام السياسة، ويها يستتب الأمن في البلاد، فهي أن يكون الناس في عصمة دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وفي التمتع بكل ما هو حق لهم، على سواء.
والسياسة لا تجري في مأمن إلا أن تكون قائمة على رعاية المساواة في التشريع والقضاء والتنفيذ، ومعنى هذا: أن يكون الناس في نظر واضع القانون، والقاضي به، والمنفذ له في منزلة واحدة.
أما المساواة في التشريع، فإن الشرع الإسلامي قد راعى في تقرير الحقوق المصالح العامة من غير نظر إلى أحوال الطوائف والطبقات، ومن هنا كانت الأحكام الواردة في صيغ خاصة محمولة على العموم؛ كالأحكام
(١) مجلة "لواء الإسلام" - العدد الأول من السنة الأولى، الصادر في أول ذي القعدة ١٣٦٦ هـ - ١٦ سبتمبر ١٩٤٧ م.