عرف مما سبق أن التخييل يدور على انتقاء مواد متفرقة في الحافظة، ثم تأليفها وإبرازها في صورة جديدة، فيرجع فضله والبراعة فيه إلى ثلاث مزايا: إحداها: أن يكون وجه المناسبة بين تلك الجواهر - أعني: المواد المؤلفة منها صورة المعنى - غامضاً، فمزية من يتخيل الكواكب أزهاراً باسمة في روضة ناضرة دون مزية من يقول:
وضوءُ الشهبِ فوقَ الليل بادٍ ... كأطراف الأسنَّةِ في الدروعِ
فإن المشابهة بين الكواكب والأزهار لا تغيب عن كثير من الناس، أما التشابه بين النجوم وبين أطراف الأسنة اللامعة عند نفوذها في الدروع لا يحوم عليه إلا خيال بارع.
ولا فضل لمن يرى الشمعة فيحاكيها بالرمح، إذا قسته بمن ينظر إليها فيقول:
كأنها عُمْرُ الفتى ... والنارُ فيها كالأجلْ
فإن محاكاتها بالرمح لا تكاد تخفى على ذي بصر، وإنما الخيال الفائق هو الذي ينتقل منها إلى العمر والأجل؛ حيث يشعر بالمناسبة الدقيقة بينهما، وهو أن الأجل يدنو من الإنسان حيناً فحيناً، ويتقاضى عمره رويداً رويداً، إلى أن تتقلص عنه أشعة الحياة؛ كلهيب الفتيلة يدب في جسم الشمعة، وينتقصها قليلاً قليلاً إلى أن يأتي على آخرها، وتذهب في الجو هباء منثوراً.
ثانيتها: أن يكون التخييل مبنياً على ملاحظة أمور متعددة، فالصورة التي