ولنعد إلى مناقشته فيما عرضناه عليك ملخصاً، وإليك المناقشة:
قال المؤلف في (ص ١٦): "قلت: إن القرآن أصدق مرآة للحياة الجاهلية، وهذه القضية غريبة حين تسمعها، ولكنها بديهية حين تفكر فيها قليلاً".
يعرف كل من قرأ القرآن، أو استمع إلى قراءته، أنه تحدث عن قوم جاهليين، فيأخذ في نفسه صورة لحياة أولئك القوم على قدر ما دلت عليه الآية صراحة أو إيماء، مطابقة أو اقتضاء. فإن أراد المؤلف أن في القرآن ما يدل على شيء من حياة الجاهلية، فالقضية بديهية، ولا حاجة إلى أن نفكر فيها قليلاً أو كثيراً، وإن قصد أن في القرآن حياة جاهلية مشرقة ممتعة، فالقضية خيالية لا يمتاز في إدراك سرها الأذكياء عن الأغبياء.
* القرآن ليس جديداً كله على العرب:
قال المؤلف في (ص ١٦): "وليس من اليسير، بل ليس من الممكن أن نصدق أن القرآن كان جديداً كله على العرب، فلو كان كذلك، لما فهموه، ولا وعوه ولا آمن به بعضهم، ولا ناهضه وجادل فيه بعضهم الآخر، إنما كان القرآن جديداً في أسلوبه، جديداً فيما يدعو إليه، جديداً فيما شرع للناس من دين وقانون، ولكنه كان كتاباً عربيًا، لغته هي اللغة الأدبية التي يصطنعها الناس في عصره".
شأن هذه الفقرات أن توضع في كتاب يبعث به إلى قوم لا يدرون ما اللغة العربية، ولم يسمعوا من القرآن ولو آية، ومن المحتمل أيضاً أن تقال على وجه التنبيه للأطفال الذين أخذوا يترددون على المكاتب الأولية. أما أنها تلقى في كلية الآداب، أو تدرج في "نحو من البحث عن تاريخ الشعر