بسريرتها، ورجعتَ بها إلى صف دون الصف الذي وضعها فيه صاحبها.
ولم يستطع المؤلف أن يضرب في هذا الفصل الطويل مثلاً لشعر جاهلي اخترعته نزعة سياسية، وذلك ما يقتضيه عنوان الفصل "السياسة وانتحال الشعر"، وقد أدرك أنه لم يجر في حديثه تحت هذا العنوان، ولم يأت بمقدمات تنتج أن في الشعر الجاهلي ما اصطنع لغاية سياسية، فقال:"ينتهي بنا إلى نتيجة نعتقد أنها لا تقبل الشك، وهو أن العصبية وما يتصل بها من المنافع السياسية قد كانت من أهم الأسباب التي حملت العرب على انتحال الشعر، وإافته إلى الجاهليين".
فالقدماء ذكروا في أسباب انتحال الشعر للجاهليين: العصبية القومية، ومن أراد أن يقرر أن من الشعر الجاهلي ما افتعل لغرض سياسي، ويضع لذلك عنوانًا يكتبه بأحرف ممتازة، فليأت ولو بمثل أو مثلين واضحين، ويريح القارئ من أقوال لا تقع في عين الموضوع، فضلاً عما فيها من صبغ بعض الوقائع بألوان لا تلائمها.
فالواقع أن السياسة اغترفت من قرائح الشعراء مديحًا أو هجاء، أما أن يكون لها أثر في اصطناع شعر جاهلي، فذلك ما لم يسق له المؤلف في طول هذا الفصل وعرضه شاهداً، وهو ما ينتظره كل من يقرأ عنوانه:"السياسة وانتحال الشعر".
* الشك في صحة الشعر الجاهلي:
قال المؤلف في (ص ٦٧): "ونحن لا نقف عند استخلاص هذه النتيجة وتسجيلها، وإنما نستخلص منها قاعدة علمية، وهي أن مؤرخ الآداب مضطر حين يقرأ الشعر الذي يسمى جاهلياً، أن يشك في صحته، كلما رأى شيئاً