يذهب أبو نصر الفارابي إلى أن السعادة هي غاية ما يتشوقه كل إنسان، وأنها أكمل ما يؤثر ويسعى إليها من الخيرات، وذكر في تفصيل هذا: أن الخيرات التي يؤثرها الناس، ويتوجهون إليها برغباتهم ومساعيهم ثلاثة أنواع:
أولها: ما يؤثر لتنال به غاية أخرى؛ كالثروة؛ فإنه يرغب فيها ليتوسل بها إلى مآرب إما محمودة؛ كالإنفاق في وجوه البر، أو غير محمودة؛ كإغراق النفس في ملاذها وشهواتها الطاغية.
ثانيها: ما شأنه أن يؤثر لذاته، وقد يقصد منه غاية أخرى، ومثال هذا: الرياسة؛ فإنها مرغوب فيها لذاتها "يا حبذا الإمارة ولو على الإجارة"، وقد يسعى إليها من يبتغيها وسيلة إلى غرض بعدها؛ كجمع مال جم، أو الانتقام من عدو.
وهذان النوعان ليسا من السعادة، ولا السعادة منهما.
ثالثها: ما شأنه أن يؤثر لذاته، ولا يقصد في وقت من الأوقات لتنال به غاية أخرى، وما هو إلا الخلق الجميل، وقوة الذهن، ثم قال:"وهذا هو أكمل الخيرات، وهذا ما يسمى سعادة".
فالخلق الجميل وقوة الذهن عند الفارابي هي المسميان بالسعادة، ولم يلتفت إلى ما زاد عليهما من الخيرات البدنية أو الخارجية، فيجعل له مدخلاً في السعادة؛ كما صنع أرسطو في كتاب "الأخلاق".
ويعتمد الفارابي في اختيار هذا المذهب إلى أن سعادة الإنسان يجب أن تكون في مزاياه التي تكسبه الجودة والكمال في أفعاله، والخلق الجميل