الحال من يعرفون لهجة أولئك الشعراء، ويدرون الفرق بينها وبين لهجة قريش، فيفسدون عليهم صنيعهم، ويحثون في وجوههم الإنكار بملء أفواههم، وواقعة أدبية أو لغوية كهذه لا تمر على الناس من غير أن يضعوها في يد التاريخ تبدو لنا، ولو في شبح ضئيل.
ومما يتعذر قبوله أيضاً أن يضع غير اليمانين أشعاراً في لهجة قرشية، ويعزوها إلى القدماء من شعراء اليمن دون أن يجدوا من اليمانين، أو ممن يعرف لهجة شعراء اليمانين من ينكر صنيعهم، ويناضلهم بحجة أن هذا الشعر غير منطبق على لهجة أولئك الشعراء.
وانصباب العرب في الحروب والفتوحات إنما يصلح أن يكون علة لضياع الكثير أو الأكثر من شعرهم، أما أنه يذهب بأثره جملة، فواقعة لا يؤمن بها إلا من يكون "على حظ عظيم جداً من السذاجة".
فالمعقول أن الاختلاف بين اللغة القحطانية واللغة العدنانية قبل الإسلام بعشرات من السنين لم يكن كحاله في العصور الغابرة، وأن الشعر كان يظهر في لهجة يسير عليها شعراء القبيلتين للأسباب التي سقناها آنفاً، وإذا فرض أن ينحو شاعر نحو لهجته، فأيسر شيء على الرواة تغييره إلى اللهجة الأدبية العامة، وسنعود إلى البحث تارة أخرى.
* للشعر لغة غير لغة الكلام:
قال المؤلف في (ص ٣٠): "ولكننا حين نقرأ الشعر الذي يضاف إلى شعراء هذه القحطانية في الجاهلية، لا نجد فرقاً قليلاً ولا كثيراً بينه وبين شعر العدنانية. نستغفر الله! بل نحن لا نجد فرقاً بين لغة هذا الشعر ولغة القرآن. فكيف يمكن فهم ذلك وتأويله؟ أمر ذلك يسير، وهو أن هذا الشعر