يقول بعضهم: إن العرب أخذتها من الحبشة، ولن يجد دليلاً على ذلك؛ إذ يحتمل أن الحبشة هي التي أخذتها من العرب، أو تكلم بها الفريقان على سبيل الاتفاق.
* ارتقاء اللغة مع المدنية:
يعلم كل من له حظ من تعاليم هذه اللغة أن موضوعاتها لم تقف عند الحد الذي انتهت إليه قبل الإسلام، ولا في زمن نزول الوحي، فكثير من الألفاظ وقع التصرف فيها، فنقلت إلى شرائع ومعان لا تعرفها الجاهلية؛ مثل: الصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، ومثل: المنافق، والفاسق، والمخضرم، ولما دونت العلوم على اختلاف فنونها، وحدثت معان لم تكن اشتقوا لها أسماء من اللغة، وأجروها مجرى العربي الصحيح في الاستعمال، ولم يقتصروا على الاشتقاق من العربية، وسلكوا طريقة العرب في اقتباسهم من غير لغتهم، فنقلوا جملة من الكلمات الأعجمية، واستعملوها بحالها؛ كالسقمونيا، والإسطرلاب من اللغة اليونانية، والأسطوانة، والبنج من اللغة الفارسية، هذه الاصطلاحات المتجددة، وإن كان السبب الذي يدعو إلى وضعها أولاً هو الحاجة إلى التفاهم في مسائل تلك العلوم، فلا جناح على من أوردها في أغراض خارجة عن العلم متى جرت إليها مناسبة تشبيه، أو تلميح في خطاب لا يقصد به إلا الخاصة من الأدباء، وإنما يعاب استعمالها في مثل المقالات والقصائد والخطب التي يوجه الخطاب فيها إلى عامة الناس؛ لغموض معانيها، وعدم اشتهار وضعها.
وفي قصائد الشعراء ورسائل الكتاب من التلميحات والتشابيه بالمعاني العلمية ما يستحق أن يذكر في عدد حسناتهم البديعية؛ كقول بدر الدين الدماميني