العلم في نفسه فضيلة، ومن أتقن علماً من العلوم المعدودة في وسائل السعادة، أصبح ركناً من أركان نهضة الأمة، تنشرح الصدور لبقائه، وتحزن القلوب لفقده، ولكن العلم الذي يضيف إليه صاحبه الحذق في صناعة الأدب، يكون فضله أظهر، وأثره أقوى وأشمل.
ولو سألت التاريخ عن العلماء الذين طار صيتهم في الآفاق، أو تركوا آثاراً لا تضعها يد إلا تناولتها يد أخرى، لوجدت معظمهم من العلماء الذين خاضوا غمار أدب اللغة، ويلغوا فيه غاية سامية. ذلك أن أدب العالم يجذب إلى مجالسه الأذكياء من الطلاب، فيبذر علومه وآراءه في عقول خصبة، ويساعده على أن يقرر الحقائق بعبارات رصينة أنيقة، فتقع من النفوس وقع العذب الفرات من الكبد الحرّى.
وإذا كان العالم غير الأديب يلقي المعاني في عبارات لا يراعي فيها إلا أن تكون دالة على المعنى بمقتضى وضعها العربي، فإن العالم الأديب يستطيع شيئاً آخر وراء ذلك، هو أن يصوغ المعاني في عبارات تألفها أذواق السامعين أو القارئين، وتهوي إليها أفئدتهم، فيكون لها في نفوسهم أثر لا يوجد مع العبارات الخالية من روح الأدب، وإن صحت دلالتها على
(١) مجلة "الهداية الإسلامية" - الجزء الأول من المجلد الثامن.