بنى المؤلف هذه النتيجة الخيالية على أن حكومة أبي بكر كانت لا دينية. وقد سقنا لكم الدليل إثر الدليل على أن أبا بكر - رضي الله عنه - لم يكن ظالماً، ولا فاسقاً، ولا كافراً، وأنه كان يحكم بكتاب الله، وسنّة رسول الله، فإن لم يجد نصاً في الكتاب والسنّة، استشار العلماء من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأخذ بالرأي الذي يرشده روح التشريع إلى قول الحق.
فدعوى المؤلف:"أن الخلافة والقضاء وغيرهما ليست في شيء من الخطط الدينية، وأن الدين لم يعرفها، ولم ينكرها" هي من سلالة آراء لا دينية، فلا دليل يركن إليها، ولا شبهة ظنّ تقوم بجانبها.
* لا حرية للشعوب الإسلامية إلا أن تساس على مقتضى شريعتها:
قال المؤلف في (ص ١٠٣): "لا شيء في الدين يمنع المسلمين أن يسابقوا الأمم الأخرى في علوم الاجتماع والسياسة كلها، وأن يهدموا ذلك النظام العتيق الذي ذلّوا له، واستكانوا إليه، وأن يبنوا قواعد ملكهم، ونظام حكومتهم على أحدث ما أنتجت العقول البشرية، وأمتن ما دلت تجارب الأمم على أنه خير أصول الحكم".
ليس في الإسلام نظام عتيق يمنع المسلمين من أن يسابقوا الأمم الأخرى في علوم الاجتماع والسياسة، وليس في الإسلام نظام عتيق يعد الخاضع له مهاناً أو ذليلاً، وإن في أصول شريعتهم ما يثمر لهم قوانين تفوق قوانين البشر، وتأخذ بمصالحهم أخذ حكيم مقتدر.
فالمسلمون حقاً لا بدّ أن يكونوا أرجح عقولاً، وأرفع همماً من أن يسلوا أيديهم من أصول شريعتهم الفسيحة المجال، الناسجة على أحكم مثال، ويضعوها في تقليد أمم ليسوا بأصوب نظراً، ولا أدرى بالمصلحة.