قال المؤلف في (ص ٦٤): "لم يبق أمامك -بعد الذي سبق- إلا مذهب واحد، وعسى أن تجده منهجاً واضحاً، لا تخشى فيه عثرات، ولا تلقى عقبات، ولا تضلّ بك شعابه، ولا يغمرك ترابه، مأمون الغوائل، خالياً من المشكل. ذلك هو القول بأن محمداً - صلى الله عليه وسلم - ما كان إلا رسولاً لدعوة دينية خالصة للدين، لا تشوبها نزعة ملك، ولا دعوة لدولة، وأنه لم يكن للنبي - صلى الله عليه وسلم - ملك ولا حكومة، وأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يقم بتأسيس مملكة، بالمعنى الذي يفهم سياسة من هذه الكلمة ومرادفاتها. ما كان إلا رسولاً كإخوانه الخالين من الرسل، وما كان ملكاً، ولا مؤسس دولة، ولا داعياً إلى ملك.
الرأي الذي يقصده المؤلف -حسبما تصرح به ألفاظه وما يسوق عليه من الشبه- هو: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مبلّغ فقط، ولم يكن من وظيفته تنفيذ ما أوحي إليه بتبليغه، وأنه لم يأتِ بشريعة لها مساس بالقضاء وسياسة الدولة. وهو رأي لم ينسج على أصل شرعي، ولم يقم على بحث علمي، ولكن الافتتان بزخرف الحياة الإفرنجية يخامر العقل، فإذا الخيال ينقّر بالقلم ما شاء أن ينقر، ويقلب صور الحقائق إلى ما لا يخطر على قلب أفاك أثيم.
* المؤلف يُدخل في الإسلام ما يتبرأ منه التوحيد الخالص:
قال المؤلف في (ص ٦٧): (قد يتناول الرسول من سياسة الأمة مثل ما يتناول الملوك، ولكن للرسول وحده وظيفة لا شريك له فيها، من وظيفته: أن يتصل بالأرواح التي في الأجساد؛ وينزع الحجب ليطلع على القلوب التي في الصدور. له، بل عليه أن يشق عن قلوب أتباعه ليصل إلى مجامع الحب والضغينة، ومنابت الحسنة والسيئة، ومجاري الخواطر ومكامن