الوساوس ومنابع النيات، ومستودع الأخلاق، وله عمل ظاهر في سياسة العامة، وله أيضاً عمل خفي في تدبير الصلة التي تجمع بين الشريك والشريك، والحليف والحليف، إلخ".
علم المؤلف أن الرأي الذي حام عليه في الأبواب الماضية، وشمّر عن ساقه ليخوض مستنقعه في هذا الباب، رأي لا يتلقاه قراء كتاب الله إلا بالرفض، ولا يعدّون صاحبه إلا في زمرة من يتخذون آيات الله هزؤاً، فكان من دهائه، ولطف سحره: أن أطلق قلمه في مدح رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والثناء عليه من جهةٍ يرى أن الإطناب فيها لا يمس برأيه، وبمثل هذا الرياء يمكنه اقتناص بعض المستضعفين من الأطفال والبله، ولعله لم يمد حبالته إلا قانعاً بمن يقع فيها من أمثال هذه الطائفة، أما الذين ينظرون بنور الحكمة، فإنهم يزنون الكتاب بروحه المطلة من خلال سطوره.
وإنك لتجد في هذه الجمل من الغلو في الوصف، ما لم يذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - عن نفسه، وإنما علق بقلم المؤلف من أثر ديانة أخرى "كقوله: "الرسالة تقتضي لصاحبها حق التصريف لكل قلب تصريفاً غير محدود"، والتصريفُ للقلوب من صفات الألوهية التي لا يشاركها فيها مخلوق.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(١) عند الكلام عن حديث: "لا ومققب القلوب"، وآية:{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ}[الأنعام: ١١٠] "والتقلب: التصرف، وتقليب الله القلوب والبصائر: صرفُها من رأي إلى رأي ... وقال المعتزلة: معناه: نطبع عليها فلا يؤمنون، والطبع عندهم: الترك، وليس هذا معنى التقليب في لغة العرب، ولأن الله تعالى تمدّح بالانفراد