تنفس الإسلام في بطاح مكة، فاعتنقه فريق من ذوي العقول السليمة، وما لبث عبّاد الأوثان أن قاموا يؤذونهم في أنفسهم، ويأبون لهم أن يقيموا شعائر دينهم، ولقد كان هؤلاء المسلمون على إيمان أجلى من القمر يتلألأ في سماء صاحية، فاحتملوا ذلك الأذى بصبر وأناة، وكانت مظاهر أولئك الطغاة حقيرة في أعينهم، منبوذة وراء ظهورهم.
وكذلك الإيمان تخالط بشاشته القلوب، فيخلق من الضعف عزماً، ومن الخمول نهوضا، ومن الجزع صبراً، ومن الياس أملاً، ومن الجبن شجاعة، ومن الذلة عزّاً.
فإذا رأيتم الرجل يتضاءل أمام المترفين صَغاراً، أو يحثو في آذان المضلين إطراء وملقاً، فاعلموا أنه في حاجة إلى الإيمان يطبعه على متانة وصدق ووقار.
يجهل الجاحدون على المؤمنين، ويمكرون بالمصطفى - صلى الله عليه وسلم - ما استطاعوا إلى المكر به سبيلاً، حتى إن قريشاً وبني كنانة اجتمعوا في خَيْف بني كنانة،
(١) مجلة "الهداية الإسلامية" - الجزء الثامن من المجلد الأول الصادر في شهر المحرم ١٣٤٨ هـ.