وتحالفوا على بني هاشم وبني المطلب أن لا يناكحوهم، ولا يبايعوهم، حتى يسلموا إليهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويرفعوا أيديهم عن جماعته. وهذا ما يشير إليه رسول الله في قوله عند فتح مكة:"غداً منزلنا بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر".
قضى - عليه الصلاة والسلام - في سبيل الدعوة بمكة ثلاثة عشر حولاً وهو يلاقي نفوساً طاغية، وألسنة ساخرة، وربما لقي أيدياً باطشة، وكان هيناً على الله أن يصرف عنه الأذى جملة، ولكنها سنّة الابتلاء يؤخذ بها الرسول الاكرم؛ ليستبين للناس صبره، ويعظم عند الله أجره، وليتعلم دعاة الإصلاح بحق كيف يقتحمون الشدائد، ويستهينون بما يعترضهم من الأذى، صغيراً كان أم كبيراً.
وما كان محمد - صلوات الله عليه - خاملاً، فيطلب بهذه الدعوة نباهة شأن ووجاهة؛ فإن في شرف أسرته وبلاغة منطقه وكرم خلقه ما يكفيه لأن يحرز في قومه الزعامة لو يشاء، وما كان محمد - صلوات الله عليه - مقلاً حريصاً على بسطة العيش، فيبغي بهذه الدعوة ثراء؛ فإن عيشه يوم كان الذهب يُصب في مسجده ركاماً لا يختلف عن عيشه، فيلاقي في سبيل الدعوة أذى كثيراً.
وكان من تدبير الله الحكيم أن قدم مكة قوم من الأوس والخزرج، فشرح الله صدورهم للإسلام، وبايعوا الرسول - عليه الصلاة والسلام - على أن يكونوا أنصاره إلى الله؛ كما قال قائلهم:
نحن الذين بايعوامحمدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا
فكفى الله رسولَه والمؤمنين بأس خصومهم الألداء، وهيأ لهم من أمر