ترقى التخيل يوم دخل الشعر في طور التصنع، ولكن التصنع هو الذي جر إلى استعارات مكروهة، وتشابيه سمجة أيضاً، فقد اقتحم أبو نواس، وأبو تمام، والمتنبي، ومن بعدهم في هذا الصدد مساوي لم يرتكبها العرب زمن جاهليتهم، فالعربي الصميم - وإن كان معظم تخيلاته ساذجة- لا يعالج قريحته ليستنبط لك منها مثل قول أبي نواس:
بخَّ صوت المال مما ... منك يشكو ويصيح
أو قوله:
ما لرِجْلِ المال أضحت ... تشتكي منك الكلالا
وتمادى الشعر ما بين تخيل فطري، وتخيل فلسفي، وتخيل علمي إلى هذه الأعصر، وإن كان النوع الأول هو الغالب في النظم، والمألوف في التخاطب؛ لأن التخيلين الفلسفي والعلمي إنما يليقان بكلام يوجه به إلى الخاصة من الناس، وأما التخيل الفطري، فيصلح لخطاب الخاصة والجمهور. ثم إن الضرب الفلسفي لم يكن تطوراً في نفس التخييل، وإنما هو تطور لحقه من جهة دخوله في منزع جديد؛ أعني: الخوض في حقائق وسنن كونية على طريق النظر العميق.
* خاتمة:
من فنون التخييل: عقد محاورة، أو إنشاء قصة يسوقها الشاعر لمغزى سياسي، أو أخلاقي، أو لغرض التفكه والإطراف بملح الحديث. ويدخل في هذا الضرب كثير من أشعار الغزل التي يخترع فيها الشاعر محاورات بينه وبين الحبيب والطيف والعاذل والواشي والراحلة والأطلال، بل الغزل التقليدي، وهو ما لا يكون صادراًعن عاطفة عشق خاصة، كلُّه معدود في هذا القبيل،