التي ينظر بها إلى الأباعد، وإيثار أولئك بالمنافع، وإن كان هؤلاء أحق بها، أو أحوج إليها، وتقليدهم الأعمال، وإن كان غيرهم أقوم عليها، وهذه السيرة تستدعي بطبيعتها تنافراً بالقلوب، واسترخاء عقدة الإخاء، وتكوّن حزباً أو أحزاباً معارضة.
وقد أدركنا الأمة العربية وهي متصلة بالخلافة العثمانية اتصال الأنامل بالراحة، حتى قام نفر في الآستانة يوقدون نار العصبية التركية، فطارت شرارة منها إلى البلاد العربية، وسرعان ما سرت في قلوب الفتيان، وظهروا في أحزاب معارضة، ولم يتوفق رجال الدولة إلى أن يسوسوهم بحكمة، وكانت العاقبة ما كنا نسمع، وما كنا نرى.
على الرغم من تلك الفتنة الساهرة أيام معاوية ويزيد، لم تكن العواطف الدينية والآداب الإسلامية ملقية السلم إلى تلك الأهواء، وتاركة جماحها يذهب إلى غير منتهى، ويكفي أن أذكرك بن تلك الأمة -على ما مسها من طائف العصبية- قد سكنت تحت راية معاوية، ثم ابنه يزيد، وكانت تجاهد تحت رايتهما، وتفتح البلاد بكل ما تملك من إقدام وإخلاص، وهذا أبو أيوب -وهو من الأنصار- قد سار لفتح قسطنطينية في جيش، وعلى رأسه راية يزيد بن معاوية.
فالعصبية نهضت لعهد معاوية ويزيد، ولكنها وجدت مقاوماً خفف من ويلاتها، ولم يتركها إلى أن يُجَنَّ جنونها، وتفقد شعورها كما كانت في الجاهلية، وهو أدب الإسلام.
* تشبيب عبد الرحمن برملة:
قال المؤلف في (ص ٥٥): "ولعلك قرأت تلك القصة التي تخبرنا