وقد عرفت أن المانعين من الاحتجاج بالحديث معترفون بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أفصح العرب لساناً، وأبرعهم بياناً، ولا ينازعون في أن أسانيد الأحاديث أقوى من أسانيد الأشعار، وإنما استندوا في المنع إلى أن الأحاديث قد تروى بالمعنى، بخلاف شعر العرب، أو منثورهم؛ فإن رواته اعتنوا بألفاظه؛ لأن الغرض من روايته تقرير أحكام الألفاظ.
قال ابن ضائع في "شرح الجمل": "لولا تصريح العلماء بجواز النقل بالمعنى في الحديث، لكان أولى وأثبت في إثبات فصيح اللغة كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -".
وأظهر وجه يورده المجيزون: أن الأصل رواية الحديث الشريف على نحو ما سمع، وأن أهل العلم قد شددوا في ضبط ألفاظه، والتحري في نقله، ولهذا الأصل تحصل غلبة الظن بأن الحديث مروي بلفظه، وهذا الظن كافٍ في إثبات الألفاظ اللغوية، وتقرير الأحكام النحوية.
* مناقشتهم لأدلة المانعين:
يقول المانعون: إن الرواة كانوا ينقلون الأحاديث بالمعنى، فلا ثقة لنا من أن اللفظ الذي روي به الحديث هو لفظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وأجاب المجيزون على هذا: بأن كثيراً من المحدثين والفقهاء والأصوليين قد ذهبوا إلى منع رواية الحديث بالمعنى، ومن أجازوا الرواية بالمعنى شرطوا لذلك أن يكون الراوي على علم بما يغير المعنى، أو ينقصه، وأن يكون محيطاً بمواقع الألفاظ، بل قال بعضهم: شرطه أن يحيط بدقائق علم اللغة، وأن تكون المحسنات الفائقة على ذكر منه، فيراعيها في نظم كلامه. على أن المجيزين