للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للرواية بالمعنى معترفون بأن الرواية باللفظ هي الأولى، وإذا كانت الرواية بالمعنى ليست في رأيهم سوى رخصة، فإنهم لا يحتجون لها إلا في حال ضرورة، وأضافوا إلى هذا: أن النقل بالمعنى إنما أجازه من أجازه في غير ما لم يدون في الكتب، أما ما دون في الكتب، فلا يجوز التصرف فيه بوجه، وتدوين الأحاديث وقع في الصدر الأول قبل أن تفسد اللغة، وإذا كان قد وقع في الأحاديث المدونة نقل بالمعنى، فإنما هو تصرف ممن يصح الاحتجاج بأقوالهم.

وإليك ما قاله البدر الدماميني، وما حكاه عن شيخه ابن خلدون في الرد على من يمنعون الاستشهاد بالحديث، قال في "حواشيه على المغني":

"أسقط أبو حيان الاستدلال على الأحكام النحوية بالأحاديث النبوية باحتمال رواية من لا يوثق بعربيته إياها بالمعنى، وكثيراً ما يعترض على ابن مالك في استدلاله بها، ورده شيخنا ابن خلدون بأنها - على تسليم أنها لا تفيد القطع بالأحكام النحوية - تفيد غلبة الظن بها؛ لأن الاصل عدم التبديل، لاسيما والتشديد في ضبط ألفاظها، والتحري في نقلها بأعيانها، مما شاع بين الرواة، والقائلون منهم بجواز الرواية بالمعنى معترفون بأنها خلاف الأولى، وغلبة الظن كافية في مثل تلك الأحكام، بل في الأحكام الشرعية، فلا يؤثر فيها الاحتمال المخالف للظاهر، وبان الخلاف في جواز النقل بالمعنى في غير ما لم يدون في كتب.

أما ما دُون، فلا يجوز تبديل ألفاظه بلا خلاف؛ كما قاله ابن الصلاح (١)،


(١) قال أهل العلم بالحديث: ليس لك فيما تجده في الكتب المؤلفة من روايات من تقدمك أن تبدل في نفس الكتاب ما قيل فيه: أخبرنا، بقولك: حدثنا، ونحوه.