ما زال الرسل - عليهم السلام - يرمون في الدعوة إلى أصول الإيمان بالله عن قوس واحدة، ولكل رسول -بعد هذا- شريعة يُراعَى في أمرها ونهيها من يرسل إليهم خاصة، حتى حضر الوقت الذي تهيأ فيه البشر من اختلاف بيئاتهم للانتظام في شريعة واحدة، فبعث الله المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بالحنيفية السمحة، وجعله خاتم النبيين، وقضى بأن تكون شريعته خاتمة الشرائع، ولعموم رسالته، سواء الشاهد فيها والغائب، والعربي والعجمي، أقام على صدقه آيات باقيات ما نظرَ فيها ذو فطرة صافية، أو بصيرة نافذة، إلا أسلم وجهه لله قانتًا {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}[الأنعام: ١٩]، ولخلود شريعته جعلها أبلغ الشرائع حكمة، وأوفاها أصولاً، وأوسعها للمصالح رعاية.
ثلاث حقائق كل واحدة منها شطر من الإسلام: عموم رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم -، واشتمال شريعته بنصوصها وأصولها على أحكام ما لا يتناهى من الوقائع، وكون هذه الشريعة أحكم ما تساس به الأمم، وأصلح ما يقضى به عند التباس المصالح، أو التنازع في الحقوق.
أجمع علماء المسلمين على هذه الحقائق، وعرفها عامتهم، فمن
(١) مجلة "الهداية الإسلامية" - الجزء السابع من المجلد الحادي عشر - الصادر في شهر المحرم ١٣٥٨ هـ - القاهرة. كما نشر البحث في مجلة "نور الإسلام".