جرت سُنَّة الله في خلقه، أن لا ينهض بأصر المقاصد الجليلة، ويرمي إلى الغايات البعيدة، التي يشد بها نطاق السيادة الكبرى، غير النفوس التي عظم حجمها، وكبرت هممها، فلم تعلق إرادتها بسفاسف الآمال.
ولذلك لما بُعث عليه الصلاة والسلام لإسعاف الأمة بجميع وسائل الحياة الأدبية، أنشأ يؤسس مبادئ العزة والكرامة، ويعبر عن مكانتها الرفيعة باليمين والشمال، فاجتث من الأنفس شجرة الذلة من جذورها، وأعتق رقابها من الاستكانة مخافة أن تهوي بها إلى أدنى درجات الضعة والدناءة، ولم يأل جهداً في إجراء دم الشهامة وكبر الهمة في عروقها الميتة، حتى أخرجها في قالب الكمال، لا تتردد إلا على أبواب الفضائل، ولا تبسط ساعديها إلا لمبهمات الأمور.
أليس من الإيماء إلى هذا الخالق العظيم النهي عن السؤال لمن وجد طريقأ عملياً للاكتساب؟ في الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"والذي نفسي بيده، لياخذ أحدكم حبله، فيأتي بحزمة حطب على ظهره فيبيعها، فيكف الله بها وجهه، خير له من أن يأتي رجلاً أعطاه الله من فضله، فيسأله، أعطاه أو منعه".
(١) العدد الرابع عشر - الصادر في ١٦ رجب الأصب ١٣٢٢.