دمشق سنة ١٣٣١، وكتب إليَّ أحد الأساتذة في تونس خطاباً يشير عليّ فيه بترك السفر، وساق في الخطاب قصة ابن الدغنة هذه مع أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، فقلت: قد أبعد الأستاذ القياس، وأقام الشاهد على غير أساس، وحالُ أبي بكر الصديق أرفعُ من أن يضرب مثلاً لحال أفراد إن غابوا، وجد الناس كثيراً من أمثالهم، أو ممن هم خير منهم.
* سعي قريش في رجوع أولئك المهاجرين:
لما بلغ قريشاً ما لاقاه المسلمون في مهاجرهم من الأمن والسكنية، ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي في ردهم عليهم، فبعثوا إليه عمرو بن العاص، وعبدالله بن أبي ربيعة (١)، وزوَّدوهما بهدايا للنجاشي ومَن حوله من البطارقة، فسلما الهدايا، وقالا للنجاشي: أيها الملك! إنه قد ضوى إلى بلدك غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك، وجاؤوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم؛ لتردهم عليهم- وأيدهما في هذا الطلب بعض البطارقة-, فقال النجاشي: لا أسلِّمهم، ولا يُكاد قوم جاوروني حتى أسألهم عما يقول هذان في أمرهم.
* دعوة النجاشي الصحابة وسؤالهم:
دعا النجاشي الصحابة إلى مجلس حضره البطارقة، وسألهم عن حقيقة دينهم، فتولى جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه - إجابته، فقال: أيها الملك! كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام،
(١) أسلم بعد، وولاه - صلى الله عليه وسلم - الجند ومخاليفها، فلما حوصر عثمان - رضي الله عنه -، جاء لينصره، فوقع عن راحلته قرب مكة، فمات.