وأما الشرائع والنظم الاجتماعية، فإن التجربة في القديم والحديث دلت على أنها لا تقوم في أمة، ولا يطّرد نفاذها، إلا أن تكون شدة البأس بجانبها، والسيوف من ورائها، فلا بد للإسلام من دولة ذات شوكة؛ لتقوم على إجراء هذه الشرائع والنظم، وتحول بينها وبين قوم لا يبصرون.
ثم إن ظهور الحق بمظهر العزة والمنعة مما يجذب إليه النفوس، ويحبب إليها التقرب منه، وربما انقلبت إلى تأييده بعد أن كانت من خصومه الألداء، فلا بد أيضاً من بسط ظلّ الإسلام وإعلاء رايته على دائرة واسعة من البسيطة، حتى لا تكون فتنة، وحتى يدرك المخالفون الذين يقيمون تحت سلطانه أنه دين التوحيد الخالص، والشريعة القيمة، والآداب السامية، فيعتنقونه عن عقيدة صادقة، ونفس راضية، وكذلك كان أثر الجهاد في البلاد التي انقلبت إسلامية في عقائدها وآدابها وسائر شؤونها الاجتماعية.
* خطأ المؤلف في الاستدلال بآيات على أن الجهاد خارج عن وظيفة الرسالة:
قال المؤلف في (ص ٥٣): "وما عرفنا في تاريخ الرسل رجلاً حمل الناس على الإيمان بالله بحد السيف، ولا غزا قوماً في سبيل الإقناع بدينه، وذلك هو نفس المبدأ الذي يقرره النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما كان يبلغ من كتاب الله. قال الله تعالى:{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}[البقرة: ٢٥٦]، وقال:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النحل: ١٢٥]، وقال: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية: ٢١ - ٢٢]، وقال: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ