قال المؤلف في (ص ٦): "قد كان واجباً عليهم إذ أفاضوا على الخليفة كل تلك القوة، ورفعوه إلى ذلك المقام، وخصّوه بكل هذا السلطان، أن يذكروا لنا مصدر تلك القوة التي زعموها للخليفة، أنِّي جاءته، ومن الذي حباه بها، وأفاضها عليه؟ ".
ألقى المؤلف هذا السؤال المشبع بالإنكار بعد أن قرر على لسان المسلمين واجبات الخليفة، وكساها صبغة غير الصبغة التي فطرها الله عليها، ولم يخرج هذا السؤال على قارئ الكتاب فجأة حتى يتلجلج لسانه في الجواب عنه دهشة، بل روح الصحف السابقة، والثوب الفضفاض الذي كانت تتبرج فيه جملها، يُشعران بأن المؤلف سيذهب في أمر الخلافة مذهب الجاحدين، ويتبع غير سبيل المسلمين، وقد عرفت إذ ناقشناه في أقواله ومنقولاته: أن الإِسلام لم يجع في أمر الخليفة ببدع من القول، ولم يملكه سلطة تبخيس المسلمين شيئاً من حريتهم، أو تجعله يتصرف في شؤونهم حسب أهوائه، فالقوة المشروعة للخليفة لا تزيد على القوة التي يملكها رئيس دولة دستورية، وانتخابه في الواقع إنما كان لأجلٍ مسمّى، وهو مدة إقامته قاعدة الشورى على وجهها، وبذله الجهد في حراسة حقوق الأمة، وعدم وقوفه في سبيل حريتها.
* من أين يستمد الخليفة سلطته؟
قال المؤلف في (ص ٧): "على أن الذي يستقرئ" عبارات القوم المتصلة بهذا الموضوع، يستطيع أن يأخذ منها بطريق الاستنتاج: أن للمسلمين في ذلك مذهبين:
المذهب الأوّل: أن الخليفة يستمد سلطانه من سلطان الله تعالى، وقوته من قوته".