أحدهما: الاستمداد بطريق الاستقامة والعدل، وهو معنى صحيح، وحقيقة واقعة، ومن شواهده: قوله تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ}[الحج: ٤٠]، وقوله تعالى:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}[العنكبوت: ٦٩]، فالخليفة قد يستمد من سلطان الله وقوته، متى كان طيب السريرة، مستقيم السيرة، ينفق العزيز من أوقاته في إصلاح شؤون الأمة، ولا يألو جهداً في الدفاع عن حقوق البلاد بحكمة وثبات.
ثانيهما: الاستمداد من قوة الله وسلطانه بطريق غيبي، ليس له من سبب سوى كونه خليفة، وهذا ما يقصد المؤلف إلى جعله أحد مذهبين في الإِسلام، وقد جاءت هذه الدعوى مكبّة على وجهها، ولم يسعفها المؤلف بما يبلّ ظمأها.
قال المؤلف في (ص ٧): "ذلك رأي تجد روحه سارية بين عامة العلماء، وعامة المسلمين أيضاً، وكل كلماتهم عن الخلافة ومباحثهم فيها تنحو ذلك النحو، وتشير إلى هذه العقيدة".
شدّ ما عُنينا بأمر الخلافة، وأنفقنا في مطالعة الكتب الممتعة بالبحث عنها نظراً طويلاً، ووقتًا واسعاً، فلم نعثر -مع هذا- على كلمة تنبئ -ولو بطريق التلويح-: أن سلطان الخليفة مستمد من سلطان الله، وقصارى ما يستنتج من كلماتهم عنها، ومباحثهم فيها: أن الله أوجب على الناس إقامة إمام، وأن ولايته تنعقد إما بمبايعة أهل الحل والعقد، وإما بعهد من الخليفة قبله، وأنه إذا سعى في السياسة فساداً، كان للأمة انتزاع زمام الأمر من يده، ووضعه في يد من هو أشد حزماً، وأقوم سبيلاً.