والمؤلف لم يدرس اللغة وأصولها وأدبها ببصيرة صافية، وفكرة متيقظة، فحسب أن الشك في الشعر الجاهلي يسري إلى الشك في معاني القرآن، وقواعد النحو والبيان، فدبت يده إلى ما كتبه المستشرق (مرغليوث)، وأفرغ ما يستطيع من التشكيك في هذا الشعر الذي يضاف إلى الجاهليين، وجرى في خياله أنه بلغ من الكيد للقرآن والعربية الفصحى ما كان يتمنّى، فلبسه الغرور، وجعل يداجي أهل القرآن، ويقول كالمخفف من فزعهم: فأيّ خوف على عربية القرآن من أن يبطل هذا الشعر الذي يضاف إلى الجاهليين؟ وقد لوحنا فيما سبق إلى المواضع التي يحق لمفسر القرآن أو الحديث أن يأخذ في تحقيقها بشواهد من كلام العرب الفصيح.
* عربية القرآن حكم مسمّط:
قال المؤلف في (ص ١٨٣): "وليس بين أنصار القديم أنفسهم من يستطيع أن ينازع في أن المسلمين قد احتاطوا أشد الاحتياط في رواية القرآن وكتابته ودرسه وتفسيره، حتى أصبح أصدق نص عربي قديم يمكن الاعتماد عليه في تدوين اللغة العربية وفهمها".
القرآن محفوظ في الصدور منذ عهد النبوة، وليس من أنصار القديم، ولا من أنصار الجديد أيضاً من يستطيع أن ينازع في أن المسلمين قد احتاطوا في جمعه وكتابته وتفسيره، وليس في العارفين بفنون التفسير من ينازع في أن من معاني حروفه أو وجوه تأويله ما يليق بالمفسر أن يقيم عليه الشاهد من كلام العرب؛ لأنه أنزل بلسان عربي مبين، فهم لا يقصدون بإقامة الشاهد تصحيح عربية القرآن؛ فإن عربيته حكم مسمَّط، وإنما يقيمون الشاهد لتقرير