قوّمناه، لا نبتغي بذلك الإصلاح والتقويم إلا أن نكون خير أمة تمثل الشهامة والحكمة والكمال.
وعلى هذا القصد أتقدم إلى حضراتكم بكلمة أبحث فيها عن التصوف؛ فإن الطرق المنتمية إلى الصوفية باسطة أجنحتها في الشرق والغرب، وأملنا معقود بأن نرى رجالها يقتدون بسيرة الصدر الأول من الصحابة والتابعين، ذلك العهد الذي ظهر فيه الإسلام بحقائقه النقية، وأصوله المحكمة، والعهد الذي ظهرت به أمة الإسلام في أسنى مظهر من العزة والرحمة والسلطان الكريم.
* نشأة التصوف:
إن الإسلام دين ينظم شؤون هذه الحياة؛ كما يرشد إلى سبيل السعادة في تلك الحياة، وهو الدين الذي عني بتصفية النفوس من طبائعها الرديئة، وتخليصها من شهواتها الطاغية، ثم عطف على الأجسام، فخلّى سبيلها لأن تتمتع من نعيم هذه الحياة وزهرتها إلا أن تطغى، فبقدر ما يدرك الإنسان من صفاء النفس، وسلامة الضمير، وبقدر ما يكون له من السلطان على شهواته، فلا تتعدى حدود الاعتدال، يصعد في مراقي الفلاح، ويدنو من مقام الكرامة والوجاهة عند الله. يقول الفيلسوف الأندلسي أبو بكر بن الطفيل:
يا باكياً فرقة الأحباب عن شحطٍ ... هلاً بكيت فراقَ الروح للبدنِ
نور تردد في طين إلى أجل ... فانحاز علواً وخلّى الطين للكفنِ
يا شدّ ما افترقا من بعد ما اجتمعا ... أظنها هدنة كانت على دَخَنِ (١)
إن لم يكن في رضا الله اجتماعهما ... فيا لها صفقةً تمت على غبنِ
(١) دَخَن: يقال: هدنة على دخن؛ أي: سكون لعلة، لا لصلح - "القاموس".