يخطُر في النفس أمر، فتثق بأنه حق أو نافع، فتحرص على حصوله، فإذا أضافت إلى هذا الحرص النظر في وسيلة بلوغها إياه؛ وبدا لها أنه في حدود استطاعتها، فسرعان ما تقبل عليه، وتبذل سعيها للوصول إليه، وذلك ما نسميه: بالعزم، أو الإرادة.
فما يخطر في النفس مما تعتقد حقيقته أو نفعه، وتود أن يكون حاصلًا لديها، ثم لا تسعى له سعيه، ولا تضع لبلوغه خطة، فإنما هو التمني الذي لا يفرق بين المحال والمستطاع، والذي يخطر في نفوس القاعدين؛ كما يخطر في نفوس المجاهدين، وما مثله إلا كمثل الشرر الذي يلمع حول النار، ثم يتصاعد هباء.
وإذا تحدثنا في هذا المقال عن قوة الإرادة، وذهبنا في حديثها مذهب خصال الحمد، فإنما نعني: الإرادة المتوجهة إلى ما هو خير. ومن أفضل ما يمدح به الرجل: أن يتوجه بعزمه القاطع إلى إظهار حق، أو إقامة مصلحة. تنشأ قوة الإرادة من التجارب، فمن تعلق همه بأمر، كان قد عرف بطريق التجربة أنه ميسور، وأن عاقبته سلامة ونجاح، انقلب همه في الحال
(١) مجلة "الهداية الإسلامية" - الجزء الثاني من المجلد الثالث، الصادر في شهر رجب ١٣٤٩ هـ.