جناحه، فلا يقدر أن يقوم بأعباء الحياة، أو يدرك فيها غاية شريفة إلا بمعاضدته، كما أن البازي لا ينهض إلى الطيران إلا إذا ساعده جناحه؛ فالقصد تمثيل حاجة الإنسان إلى ابن عمه بحاجة البازي إلى جناحه، وليس القصد الاستدلال حتى يلتحق ببيت أبي تمام المسوق فيما سلف للاستشهاد على التخييل الذي يراد منه المخادعة، وقول الدماميني:
فلا تعجبوا يوماً لكسر جفونها ... فإن إناء الخمر في الشرع يُكسر
فالأسلوب في نفسه وارد في الغرضين، غير أن فحوى الكلام، ومجرى الخطاب، وطبيعة المعنى تصرفك إلى التمثيل، أو تأخذ بك إلى الاستدلال والتعليل.
وقد يعمد إلى أمرين يعدهما الناس بشدة التباين وغاية الاختلاف، فيعقد بينهما تشابهاً، وتجد هذا في قول المعري:
وشبيهٌ صوتُ النعيِّ إذا قيـ ... س بصوت البشير في كل نادِ
أبكت تلكمُ الحمامةُ أم غَنْـ ... نَتْ على غصن دوحها الميّاد
فالمعهود أن النفس ترتاع لصوت النعي، وتتفطر حزناً، وترتاح لصوت البشير، وتأنس له طرباً، ولكن الحكيم يغوص في أعماق الحوادث، وينظر إلى ما تصير إليه من العواقب، فيتراءى له أن ليس في الحياة ما يدعو إلى لذة، أو يستشير النفس إلى جزع، فتكون نغمة البشير وصيحة الناعي في أذنه سواء، ولا يرى فارقاً ما بين النواح والحداء.
* حال المعنى والتخييل:
قد يصوغ الشاعر المعنى لأول الخطاب في صورة خيالية، فلا يدركه إلا من صفت قريحته، ورقت حاشية ألمعيته؛ ككثير من الأشعار الواردة على