النوع الثاني: من الأسباب التي تتلاحق بها المعاني في الذاكرة: التباين؛ فإن الصور التي يكون بينها تضاد، لا يكاد بعضها يتخلف عن بعض، فمن تصور الشجاعة، خطر له معنى الجبن، ومن مرت على باله الصداقة، انساق إليه معنى العداوة، ولهذا أدخل علماء البلاغة في وجوه الوصل بين الجملتين ما يقوم بينهما من التضاد في المعنى، وساقوا في أمثلته قوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} (الإنفطار: ١٣ - ١٤). وإن شئت مثلاً من الشعر، فقال المتنبي:
أزورهم وسوادُ الليل يشفع لي ... وأنثني وبياضُ الصبحِ يُغري بي
ومن هذا الوجه أيضاً صحَّ لهم أن يعدّوا بين علاقات المجاز المرسل: الضدية.
النوع الثالث: التشابه، وهو أن يكون بين المعنيين تماثل في بعض أمور خاصة؛ كمن يرى الرجل المقدام، فيتصور الأسد، ويسمع الألفاظ البليغة قد تبرجت في أسلوب محكم، فيذكر الدرر المتناسقة في أسلاكها. وعلى هذا النوع يقوم فن التشبيه والاستعارة اللذين هما أوسع مضمار تتسابق فيه قرائح الشعراء والكتَّاب.
* لماذا تختلف الأفكار في تداعي المعاني؟
يختلف الناس فيما يتداعى إليهم من المعاني إلى أن ترى صوراً تتوارد على شخص متعاقبة، وهي في خيال آخر لا تتقارن البتة. قال أحد الفلاسفة: إني لا أسأل عن السبب في أن معنى من المعاني يدعو آخر ويأخذ بناصيته، ولكنني أبحث في شيءآخر، وهو أن المعنى الواحد قد يختلف تواليه باختلاف الأشخاص. ثم قال: ويمكن الجواب عن هذا: بأن الناس يختلفون في ميولهم،