يذكِّرني طلوعُ الشمس صخراً ... وأذكره بكلِّ مغيب شمس
وخصت هذين الوقتين بالتذكير؛ لأنهما مظهر لعملين عظيمين من أعمال صخر، إذ كان يغدو للإغارة التي هي مظهر الشجاعة عند مطلع الشمس، ويبذل الطعام للضيوف وقت الغروب.
ومن هذا الوجه نشأت الكنايات، وبعض أنواع المجاز المرسل، أما الكنايات، فلأنها الدلالة على المعنى باسم ما يلازمه في الخارج، وصحَّ هذا نظراً إلى أن حضور المعنى الموضوع له اللفظ يستدعي حضور لازمه في ذهن المخاطب؛ كقول الحصين بن الحمام:
تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد ... لنفسي حياة مثل أن أتقدما
ولسنا على الأعقاب تدمى كلومُنا ... ولكن على أقدامِنا تقطر الدما
أراد الشاعر أن يفيد ثباتهم في مواقف الحروب، وأنه لا يجمح بهم الفزع من الموت إلى سبة الهزيمة، فعبَّر عن هذا المعنى بأن دماءهم لا تقع على أعقابهم البتة، وهذا يقتضي أنهم لا يولون العدو ظهورهم حتى ينالها بسيوفه، كما أن معنى قطر الدماء على الأقدام يذهب بالسامع إلى معنى أنهم يستقبلون العدو بوجوههم إلى أن ينالوا ظفراً، أو يلاقوا موتاً شريفاً.
وأما بعض أنواع المجاز المرسل، فكإطلاق اسم الحال على المحلّ، والسبب على المسبّب، والكل على الجزء، وعكسها، ومداره على أن ذهن المخاطب ينتقل إلى المعنى المراد بسهولة حيث كان بينه وبين المعنى الحقيقي مناسبة تقضي تقارنهما في الذهن؛ لأن إدراكهما كان في وقت واحد، كالحالّ والمحلّ، والكلّ والجزء، أو على التعاقب كالسبب والمسبب.