للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الاجتماع والعزلة (١)

خُلق البشر لحكمة سامية، هي: عبادة مبدع الكائنات وحده، والعبادات: عقلية؛ كالإيمان بالخالق، وبدنية؛ كالصلاة، ومالية؛ كالزكاة، ومركبة من ماليّ وبدنيّ؛ كالحج والجهاد، فالعبادات لا تقام على وجهها إلا بوسائل هي: صحة الفكر، وسلامة البدن، وذات اليد، ولهذه الوسائل وسائل تسبقها؛ كالزراعة، والصناعة، والتفقه في الدين، وبعض العلوم النظرية؛ كالمنطق، أو الكونية؛ كالطب، وليس في استطاعة الفرد أو الرهط من الناس الاستقلال بهذه الوسائل، فاحتاج الناس بمقتضى فطرتهم وما خلقوا من أجله إلى التعارف والتعاون، ولا تعارف ولا تعاون إلا بالاجتماع.

فالاجتماع هو الذي تقتضيه الفطرة، وبه تنتظم العلوم، وتبلغ المدنية الفاضلة أشدها، فيتهيأ للناس أن يعبدوا الله على بصيرة، ويتقربوا إليه بضروب من الأعمال الصالحة لا تحصى.

يظهر إيثار الإِسلام للاجتماع على العزلة في كثير من الأحكام والآداب، فانظروا إلى ما دعا إليه على وجه التوكيد من إقامة الصلوات الخمس في جماعة، ثم ما فرضه من الاجتماع لصلاة يوم في الأسبوع، وهي صلاة الجمعة، وعين


(١) مجلة "نور الإِسلام" - العدد العاشر من المجلد الثالث، الصادر في شهر شوال ١٣٥١ هـ القاهرة.