عليه رجل الدين الذي كان بالعقل حفياً، ورفع العلم والحكمة مكاناً علياً، وإنما يزدرون الكاتب يحسب أن تصور هذا المذهب يكفي وسيلة إلى التهجم على كل علم، فيمشي في غير سبيل، ويدلج بغير دليل، ثم يزعم بملء فمه أنه أحاط بما لم يحط به أحد من قبله.
* حرية البحث والاستقصاء في الأدب العربي القديم:
قال المؤلف في (ص ١٢): "فلنصطنع هذا المنهج حين نريد أن نتناول أدبنا العربي القديم وتاريخه، وقد برأنا أنفسنا من كل ما قيل فيهما من قبل، وخلصنا من هذه الأغلال الكثيرة الثقيلة التي تأخذ بأيدينا وأرجلنا ورؤوسنا، فتحول بيننا وبين الحركة الجسمية الحرة، وتحول بيننا وبين الحركة العقلية الحرة أيضاً".
ليس في الأدب العربي أغلال تشد على طلابه، فتحول بينهم وبين حركاتهم الحرة، جسمية كانت أو عقلية، وطالما تناولته أنظار ذهبت في البحث كل مذهب، فأماطت عن طريقه أذى كثيراً، ثم أبقت باب النقد من ورائها مفتوحاً على مصراعيه، فمن ساعده قانون البحث على طرح قسم آخر من حسابه، بسطوا له وجهاً رحباً، ونسجت له ألسنتهم الصادقة شكراً خالداً. فللمؤلف أن يحرك جسمه وعقله كيف يشاء، وله أن يتناول أدبنا العربي القديم وتاريخه بالبحث والاستقصاء، وله أن يستقبلهما بعد أن يبرئ نفسه من كل ما قيل فيهما من قبل، وما عليه إلا أن يعلم أن للبحث في العلوم قوانين لا يسع "ديكارت" إلا أن يؤمن بها، وأن من وراء جدران الجامعة المصرية أقلاماً تغار على الحقيقة أكثر من غيرته على الشك فيما يراه الناس حقاً.