أحاط الإسلام بضروب السعادة هداية وتعليماً، فدلّ على ضرب منها دلالة تقوم بها الحجة، وتقطع عن الناس عذر الجهل به، وله في هدايته درجات؛ فقد يرشد إلى الشيء دون أن يلهج به، أو يلحف في الترغيب فيه؛ حيث يكون سهل المأخذ على النفس، أو يكون في طبيعة البشر ما يسوق إليهح كإحسان الوالد لولده، والسعي في الأرض لابتغاء الرزق.
وقد يكون في الأمر ثقل على النفس، وصرف لها عن بعض شهواتها، فلا تكاد تقبل عليه إلا بعزم صميم، ونظر في العواقب بعيدة كإقامة الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والجهاد، وهذا ما يامر به المرة بعد الأخرى، ويسلك في الدعوة إليه أساليب شتى، حتى يأخذ إليه النفوس على تفاوت هممها، واختلاف رغائبها.
وكذلك ترى مسلكه في الدعوة إلى العدل في القضاء.
يتقدم الخصمان إلى القاضي، وكثيراً ما يجد في نفسه ميلاً - شديداً أو ضعيفاً - إلى أحدهما، يميل إليه لنحو قرابة أو صداقة، أو وجاهة أو غنىً، أو يميل إليه لأنه فقير أو ضعيف، أو خصم لمن يناوئه، وقلّما استطاع القاضي
(١) مجلة "نور الإسلام" - العدد الأول من المجلد الثاني، الصادر في شهر المحرم ١٣٥٠ هـ - القاهرة.