للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهنالك معنى ثالث، وهو أن الناظر في شعر كثير يعزى إلى شعراء أمة في عصر أو عصور، يمكنه أن يستفيد من مجموع هذه الأشعار معاني عامة، ويثبتها للأمة في جملتها، ومثَل هذا آداب خطابها، ومبلغ فصاحتها، وقوة تعقلها، وسعة تخيلها، وكيفية تنقلها من معنى إلى معنى، ومن غرض إلى غرض، إلى ما يشاكل هذا من تصرفها في الكلام بنحو الرقة والجزالة، والإيجاز والإطناب.

وإذا كان الشعر الأموي إنما يمثل من حياة الجاهلية هذا المعنى الدائر حول آداب اللغة، فإن الشعر الذي ينسب للأعشى وزهير والنابغة وطرفة، ويدّعي المؤلف أو غيره انتحاله، يمثل هذا المعنى أيضاً بمقدار ما يمثله شعر الفرزدق وجرير، حيث كان مصطنعوه من شعراء العهد الأموي.

* الشماخ عاصر النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يجادله!

قال المؤلف في (ص ١٦): "فحياة العرب الجاهليين ظاهرة في شعر الفرزدق وجرير وذي الرمة والأخطل والراعي، أكثر من ظهورها في هذا الشعر الذي ينسب إلى طرفة وعنترة والشماخ وبشر بن أبي خازم".

إذا جعل المؤلف موضوع كتابه البحث عن الشعر الجاهلي، فما خطبه يذكر الشماخ بن ضرار، وقد أدرك الإسلام، وشهد وقعة القادسية، وتوفي في غزوة موقان لعهد عثمان بن عفان - رضي الله عنه -؟.

فإن كان عذر المؤلف في التعرض للشماخ أنه نشأ في الجاهلية، أفسد عليه هذا الاعتذار تصريحه بأنه يدرس الحياة الجاهلية في شعر الذين عاصروا النبي - صلى الله عليه وسلم - وجادلوه، وشعر الشعراء الذين جاؤوا بعده، والشماخ عاصر النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكنه لم يجادله، ولا أحسب عدم مجادلته علة تقتضي رفع الثقة