لم يختلف المسلمون في أن الشريعة الإِسلامية نزلت لتقرير أحكام الوقائع، فلا واقعة إلا لها مدلول عليه بالنص، أو بأصل من الأصول المستمدة من النصوص.
أما الأحكام المستفادة من النصوص، فهي الأحكام المأخوذة من الكتاب والسنّة؛ كتحريم الميسر، ومنع القاضي من أن يقضي وهو غضبان، وجواز الشفعة للشريك. وقد أريناك بوجه عام أن كل ما قرره الشارع من أحكام مفصلة هو دائر بين حفظ المصالح ودرء المفاسد. وسنتناول بإذن الله تعالى القول في هذه الأحكام بتفصيل كما اقتضى المقام بيانها.
وأما الأحكام المدلول عليها بأصول عامة، فيستبين أمرها بالنظر في هذه الأصول، وهو ما أزمعنا البحث عنه منذ الآن. وسترى من هذه الأصول كيف تيسر للشريعة أن لا تدع واقعة من غير حكم، وكيف تتحرى بالأمة أرشد طرق المدنية، وأعدل نظم القضاء. واحتواء الشريعة على أصول عامة، وتناول الأصول لما لا يتناهى من الوقائع مما يزيدنا تفقهًا في قوله -عليه الصلاة والسلام -: "بعثت بجوامع الكلم"، ويضع في أيدينا معجزة ما زال كثير من الناس عنها في غطاء، وهي شريعة سمحة حكيمة تتناول كل ما يمكن تصوره من الحوادث على تباعد المواطن واختلاف الأجيال. وما جاءت على هذا