يطلق حول كل مبحث بخاراً، ويثير فوق كل صحيفة غباراً.
* دراسة الشعر الجاهلي:
قال المؤلف في (ص ٣): "بين يدينا مسألة الشعر الجاهلي نريد أن ندرسها، وننتهي فيها إلى الحق، فأما أنصار القديم، فالطريق أمامهم واضحة معبدة، والأمر عليهم سهل يسير. أليس قد أجمع القدماء من علماء الأمصار في العراق والشام وفارس ومصر والأندلس على أن طائفة كثيرة من الشعراء قد عاشت قبل الإسلام، وقالت كثيراً من الشعر؟ أليس قد أجمع هؤلاء العلماء أنفسهم على أن لهؤلاء الشعراء أسماء معروفة محفوظة مضبوطة يتناقلها الناس، ولا يكادون يختلفون فيها؟ أليس قد أجمع هؤلاء العلماء على أن لهؤلاء الشعراء مقداراً من القصائد والمقطوعات حفظه عنهم رواتهم وتناقله عنهم الناس، حتى جاء عصر التدوين، فدوّن في الكتب، وبقي منه ما شاء الله أن يبقى إلى أيامنا؟ وإذا كان العلماء قد أجمعوا على هذا كله، فرووا لنا أسماء الشعراء وضبطوها، ونقلوا إِلينا آثار الشعراء وفسروها، فلم يبق إلا أن نأخذ ما قالوا راضين به، مطمئنين إليه. فإذا لم يكن لأحدنا بد من أن يبحث وينقد ويحقق، فهو يستطيع هذا دون أن يجاوز مذهب أنصار القديم".
لا مراء في أن للأمة الجاهلية قسطاً من الشعر، فإن الشعراء الذين اعتنقوا الإسلام؛ كحسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبدالله بن رواحة، ومتمم بن نويرة، والنابغة الجعدي، ولبيد، وكعب بن زهير، لم يبتدعوا هذا المنظوم ابتداعاً، بل اقتدوا فيه على أثر رجال سبقوهم بحين من الدهر، وكان هؤلاء الرجال على طبقات لا يزال الشعر ينتقل فيها من طبقة إلى